\"تملّق كثيرا ؛ تصل سريعا\" \"ومن سار على درب التملق وصل !! \"
\r\nهكذا هو المبدأ الأساسي الذي انتشرت في واقعنا المعاصر .. ومنها ؛ آفة التملّق الوظيفي .. فهو من الأسقام الاجتماعية التي تعاني منها الكثير من المؤسسات والتسلّق على المنصب بحثا عن تحقيق مصالح شخصية غير مشروعة . وهو وسيلة الجبناء وغير الأكفاء في الاعتلاء بالمؤسسات . والتحدث عن التملق هنا ليس بدافع الدعوة إليه أو القيام بحملة لتشجيع ممارسته ، ولكنه بغرض بيان حقيقته وتجلياته ، عسى أن يكون ذلك سببا لهداية النفوس غير السوية ، ورجوعها لجادة الصواب . فهذه المظاهر باتت ـ مع الأسف ـ ممارسات متوّغلة في سلوكيات وعادات كثير من الموظفين في بيئة العمل , ولا أحد ينكر وجودها في أيّ مكان ، سواءً في العمل الحكومي أو في القطاع الخاص أو حتى داخل نسيج العلاقات الاجتماعية والأسرية .
\r\nوالأكيد أنَّ المتسلقون على المناصب يبحثون دائماً عن معاملة تفضيلية ومكانة وظيفية أفضل ، والتقرّب من المسئول الأرفع في بيئة العمل ، وذلك من خلال ممارسة أساليب مناهضة لمعايير الوظيفة الأخلاقية وقواعدها المهنية السامية وقيمها التربوية ، وهؤلاء المتلّونون يتحدثون بلغة النفاق الاجتماعي بدون وعي قيمي أو ذوق إنساني أو منهج حضاري .
\r\nكما ونجد إن المتملق أو الراكض وراء التسلُق الوظيفي يحترف التلوّن حسب المعطيات ، والمواقف ، والمصالح . فيتجرد من قيمه الأخلاقية ومكوناتها التربوية تماما ، ويصبح هدفه الوحيد هو التقرُب من المسؤول وكسب وده - بأيّ وسيلة كانت - ويوافقه في كل قراراته مهما كانت خاطئة ، أو مضرة . فهو على دراية كاملة بعدم براعته في العمل ، لذا فإن تلك الوسيلة تعتبر مثالية بالنسبة له والظهور بقناع الحمل الوديع من أجل بلوغ الغاية .. عوضًا عن العمل باجتهاد ، والسعي وراء تحقيق الإنجازات الحقيقية .
\r\nأما الفئة الاخرى من الموظفين الذين يعملون بصمت أختياري ، لا يفارقهم الأمل من ان يكشف الله نوايا المتملقين وعدم مهنية بعض المرؤوسين . فتراهم لا يلقون بالاً لتجار سوق النفاق ، بل أنهم يحاولون جاهدين وبشتى الطرق ان يعيدوا المنافقين الى رشدهم ويحاربوا من أجل القضاء عليهم .
\r\nوعلى صعيد متصل ؛ فأن لآفة التسلّق والتملّق في بيئة العمل تحديداً ، أسباب ودوافع منها ؛ ضعف الوازع الديني .. وقد ينشأ هذا الداء الاجتماعي النفسي عن خلل في عملية التنشئة الاجتماعية والنفسية والتربوية والعقلية والوجدانية للمتملّق والمتسلّق ، وربما يكون من أسبابه أيضاً المشكلات الأسرية ، التي تؤثر على الاستقراره النفسي والعاطفي والاجتماعي للموظف ، كما أنَّ اصدقاء السوء لهم دور مؤثر في ظهور هذه الآفة المجتمعية البغيضة في بيئة العمل . بالإضافة إلى العوامل الثقافية والتعليمية والفكرية والاقتصادية التي تلعب دوراً في اتساع دائرة هذه الأزمة السلوكية .
\r\nوتبعا لذلك .. فإنَّ مرض التسلّق والتملّق صفة من صفات الفاشلين ، الذين لا يستطيعون أن يحققوا بقدراتهم الوظيفية ما يطمحون إليه ، فيلجأون إلى أساليب النفاق والانتهازية والكذب ، واضافة الكثير من التقنيات الجديدة لنفاقه .. انظر حولك .. المتملقون من حولك ؛ تجدهم فى كل مكان و فى كل زمان ، وترى فيهم الانحناءات المصطنعة ، والاحتشام المتكلف والأدب الزائف ؟؟
\r\nهذا هو الحال .. ومن هذا الواقع الاليم ندرك خطورة هذا النهج ، وتأثيره على مستوى الاداء ، وتقديم الخدمة المطلوبة ، حيث ان له آثاراً بالغة السوء . ولمعالجة هذا الوباء الاجتماعي والحد من انتشار هذا السلوك المشين ، يجب تفعيل دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية (الأسرة والمؤسسات التعليمية والمؤسسات الدينية والثقافية والتربوية) في تنوير المجتمع بخطورة هذا المرض في كل مناحي الحياة ، وذلك من خلال التوجيه والإرشاد والتوعية المجتمعية ، كما أنَّ للمؤسسات الإعلامية والتربوية والثقافية دورا محوريا في رفع سقف الوعي وتنمية اتجاهاته الحضارية والسلوكية والفكرية داخل البناء المجتمعي ، إلى جانب أهمية مشاركة الصروح الأكاديمية والتعليمية في هذا الاتجاه التوعوي ، وذلك بعقد المؤتمرات الفكرية التنويرية وعمل البحوث والدراسات النفسية والتربوية حول خطورة وآثار هذه الظاهرة ، وإيجاد الحلول الناجعة لها في قالبها العلمي الرصين .
\r\nكما يجب علينا أن نحارب تجار النفاق الوظيفي ورؤساءهم الذين خدعهم المديح لما يسببونه للمجتمع من دمار وخراب ... فهم متسلقون .. يضيعون ويدمرون الكفاءات .
\r\nوبعد كل ما قيل ؛ فأن ما نراه اليوم في واقعنا مهين جدا ، إلى متى سيبقى هذا التزييف ؟ لدرجة أن الغالبية أصبحت تؤمن بأن التملق هو أقصر الطرق التي توصل إلى النجاح .
\r\nعليه ؛ فأن بداية نهضة أي بلد هو القضاء على هؤلاء الفاشلون .. والذين إستطاعوا أن يدمروا مستقبل أمم وشعوب ... فوجودهم معناه أن الحالة رائعة والمستقبل مشرق ..
\r\nفمعايير العمل الأساسية ، تتمثّل في قواعد المهنية السامية ، مع الحفاظ على القيم والأخلاقيات الراقية التي من شأنها أن تقضي على النفاق الاجتماعي ؛ وفقًا للمنهج الحضاري، والذوق الإنساني .
\r\nأما المسئولون الذين لا ناقة لهم ولاجمل ، في فن القيادة او التطوير فإنهم يبحثون عن المتملقين ليعيش ضمن أطار الامان الوظيفي ، ويجدر بالمسؤول أن يلتفت إلى أن مدح هؤلاء المتملقين وثناءهم الكاذب ، لا يكون موجهًا لشخصه ، بل للمناصب الوظيفية - التي لا تدوم عادة - وبمجرد أن تنتهي مدة بقائه في الإدارة ، فإن محبوب الأمس ، من الممكن أن يصبح عدو الغد بكل بساطة .
\r\nأ.د فاتن على اكبر
\r\n